إنخرطت
تونس في مسار إدارة الإختلاف بالحوار و نبذ الإقصاء في سقف الدستور الديمقراطي
الجديد للبلاد الذي أنجزه المجلس الوطني التأسيسي و صوت عليه برمّته بأغلبيّة
ساحقة و دخلت البلاد ضمن نهج التوافق مرحلة ما بعد إرساء قواعد العملية السياسيّة
الديمقراطيّة التي تتمثّل أساسا في تنزيل النصوص و القواعد و القيم العليا
للديمقراطيّة و التعايش إلى مستوى الممارسة بما يمكّن من إخراج البلاد من حالة
العطالة و الشلل الكبير التي أصابتها بسبب الفساد و الإستبداد و تركته الثقيلة و
بسبب أثقال التاريخ و حمولتها المرهقة للبلاد و العباد.
كان
واضحا أن تونس تحتاج إلى إصلاحات و مصالحات كثيرة حتّى تنظلق و تنظلق مع ذلك مسيرة
الإصلاح و البناء دون السقوط في فخاخ التنافر و الإقصاء فكان لزاما لتجاوز الأزمة
الإجتماعيّة و الإقتصاديّة الخانقة العمل على إستجماع شروط القوّة تشريعيّا و
تنفيذيّا و تاريخيّا من أجل تجاوز التركات الثقيلة و لعلّ في المصالحة الوطنيّة
التي تعيد حقوق الضحايا و تعيد إدماج التونسيين في الدورتين الإقتصاديّة و الإداريّة
مدخلا أساسيّا و عنوانا لتجاوز حالة العطالة التي تزيد كل يوم من تثبيط الدولة و
من الرفع من حالة التوتر على عدّة مستوايات.
خلال
لقاء جمعهما بقصر قرطاج يوم السبت الفارط 16 أفريل 2016 و بعد أن كانت لقاءاتهما
سابقا مقدّمة للتوافق و لإرساء نهج الحوار في إدارة الإختلاف و خاصة إدارة المرحلة
تحدّث زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي و رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي على
ضرورة بذل الجهود من أجل التهدئة الإجتماعية و السياسية و قال الغنوشي أن اللقاء
تطرق إلى البحث في ملفات الماضي العالقة وقال "اقترحت على السيد رئيس الجمهورية
ضرورة تصفية هذه الملفات وطي صفحة الماضي، من ضمنها ملف العفو التشريعي العام
وتكوين صندوق وطني للتعويض للضحايا حتى تتجه تونس متخففة من أثقال الماضي متضامنة
متغافرة متعافية من كل الأحقاد والثارات" وشدد على أن "بلادنا لم تعد
تتحمل وجود ناس ممنوعين من السفر و البعض الآخر مهددين بالسجن وآخرين محرومين من
الشغل بلادنا لم تعد تتحمل هذه الأوضاع"
.
القيادي
بحركة نداء تونس عبد الرؤوف الخماسي قال في تعليقه على مقترح راشد الغنوشي عقب
لقائه برئيس الجمهورية الذي دعا فيه الى ضرورة تصفية ملفات الماضي وطي صفحاتها وبذل
الجهود من أجل التهدئة الاجتماعيّة والسياسية،إن هذه المبادرة طيبة في إطار دعم
المصالحة الوطنية الشاملة للانطلاق الى بناء المستقبل مع بعض، معتبرا أن تونس في
وضعها الحالي لم تعد تتحمل التجاذبات وقال الخماسي في تصريح لموقع الشاهد إن هذه
الفكرة في إطارها الصحيح، لتحقيق مصالحة وطنية شاملة لا تقتصر على الجانب
الاقتصادي، بل ترتبط أيضا بانصاف من وقع ظلمهم في السابق وفق قانون شامل للعفو
العام، مؤكدا على ان الحكومة التي تشتغل في ظروف صعبة بحاجة الى دعمها وتسهيل
مهامها بمثل هذه المبادرات لتتمكن من القيام بمهامها.
من
جانبه قال عضو المكتب السياسي لحزب افاق تونس مهدي الرباعي أن التسريع في مبدأ
المصالحة الوطنية فكرة طيبة، معتبرا أن حزب أفاق تونس يساند فكرة هذه المبادرة،
وهو يعتبر أن تسوية ملفات الماضي وطي صفحاته طريقة مثلى للمرور الى بناء المستقبل
واوضح الرباعي في تصريح لموقع الشاهد أن حزب افاق تونس مع المصالحة في إطار
العدالة الانتقالية التي عرفت تعطلا، ومع تسريع المصالحة الوطنية الشاملة، معتبرا
أنه لا بد من الاتفاق حول أليات هذه التسوية، االتي لم يتم كشفها خلال طرح عن هذا
المقترح، حتى يتسنى للأحزاب اصدار موقف رسمي منها.
و
في نفس السياق إعتبر طارق الفتايتي القيادي بالاتحاد الوطني الحر أن حزبه لم
يتدارس بعد هذه المبادرة التي لم يكشف بعد عن تفاصيلها ومن هم الأطراف المعنيين
بالمصالحة، لهذا لم يصدر بعد موقف واضح منها وأكد الفتايتي في تصريح لموقع الشاهد
على أن الإتحاد الوطني الحر ليس ضد المصالحة مهما كان نوعها، وهو مع التسامح مع من
لم تتعلق بهم جرائم كبرى، وخاصة التكنقراط والكفاءات التي كانت تمسك بزمام الامور
في عهد المخلوع.